مع دخول الموسم الرئيسي للانتخابات الرئاسية الديمقراطية في مرحلة حاسمة، تقف السياسة الخارجية، وعلى نحو غير متوقع، في مركز مسرح الأحداث إذ سيتم قياس المرشحين بمعيار مفاده ما إذا كانوا سيواصلون الشجار التكتيكي حول الماضي أم أنهم سيقدمون رؤية استراتيجية للمستقبل·
في الظروف العادية، لا يؤدي تغيير الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض إلى إحداث تحول تام في السياسة الخارجية للأمة· وعلى رغم أن الإدارات الجديدة قد تقوم بإحداث تصحيحات جديدة في المسار، لا سيما في المسائل الرئيسية التي تثار في الانتخابات، إلا أنها تكتشف كالعادة أن مقدار اتفاقها مع الادارات السابقة، حول أهداف ومناهج السياسة الخارجية، يفوق مقدار اختلافها حول الموضوع المذكور· غير أننا نجد في حالة الإدارة الحالية أن الابتعادات الجوهرية عن نهج السياسة الخارجية الراهنة قد تحولت إلى معيار منذ البداية، حيث تبوأ الرئيس بوش منصبه دون تفويض مفهوم بإحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية·لكن بوش انكب فور ارتدائه عباءة الرئاسة على نقض كل مبادرة رئيسية في السياسة الخارجية حملت بصمات إدارة كلينتون؛ وقد أعلن أن الولايات المتحدة ستنأى بنفسها عن المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية،وشجب الاتفاقات الدولية الثماني المقترحة، حتى أنه أوحى بـسحب التوقيع عن واحدة منها·وعندما صار اتجاهه أكثر وضوحاً للعالم، بدأ أصدقاؤنا وحلفاؤنا بالتساؤل ثم بفصل أنفسهم عن ممارسات الحكومة الأميركية· والآن وبعد مضي 3 سنوات من عهد بوش الثاني، سقطت مكانة أميركا ومصداقيتها إلى الدرك الأسفل·
وتفيد المقدمة المنطقية الكبرى للتغييرات التي أدخلها بوش في السياسة الخارجية بأن أميركا ليست بحاجة إلى مساعدة أو إجماع لتنفيذ إرادتها في العالم، وإذا كان ذلك صحيحاً فإن خسارتنا للأصدقاء الدوليين قد تكون أقل أهمية· غير أن العكس هو الصحيح: فمع سقوط قتيلين من جنودنا، كمعدل وسطي، كل يوم من هذا الشهر، يكون العراق مستنقعاً تتخبط فيه الولايات المتحدة بدلاً من أن تتزلج عليه، وهذا بحسب وصف وزير الدفاع نفسه· وفي لحظة نحتاج فيها إلى المساعدة، نجد الأمم المتحدة والقوى الكبرى-عدا بريطانيا- مشمئزة من مساعدتنا في الخروج من المأزق بالمال أو بالقتال أو حتى بالتخطيط·
وعلى هذه الخلفية،يحتاج الناخبون الديمقراطيون إلى معرفة ما يعتزم مرشح الحزب الديمقراطي فعله لكي يبطل نفور أصدقائنا والضعف الدراماتيكي الذي أصاب سمعتنا كلاعب مستقر موثوق على مسرح العالم· وعلى رغم أن بعض المرشحين قد بدأوا بالتطرق إلى مسائل فردية، فإن هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة لتصحيح المسار·
لا بد لنا من استعادة ثقة حلفائنا فينا ومشاعر الود تجاهنا؛ باعتبار أن بوش عاملهم كأشياء مثيرة للاشمئزاز بل وأسوأ من ذلك· وعندما قام رئيس كوريا الجنوبية بزيارة بعد تسلم بوش مقاليد الحكم،في سعي إلى الحصول على تأييد للانفتاح على كوريا الجنوبية، عاد أدراجه يجر أذيال الذل والإهانة· وعندما أطلق رامسفيلد اسم أوروبا العجوز على كبار حلفائنا في الناتو الذين رفضوا الموافقة فوراً على مغامرة العراق، استمتع البيت الأبيض بهذا الازدراء واستساغه بدلاً من أن يعتذر عنه·
إن في وسعنا استعادة الثقة المفقودة،غير أن الأمر سيتطلب اتخاذ خطوات دراماتيكية تتمتع بمقومات الديمومة·وأنا أقترح هنا أن يقوم الرئيس الجديد، في أعقاب انتخابات عام 2004 التي سيفوز فيها مرشح ديمقراطي،بجولة مصالحة يطوف فيها على حلفائنا الرئيسيين (أي أنقرة وسيئول وكذلك باريس وبرلين)، ليؤكد لهم أن الاحترام والصداقة، وليس فرض الأمر التعسفي،سوف يشكلان المعيار المتبع في السياسة الخارجية الأميركية·
ولا بد لنا من دعم وتقوية الأمم المتحدة،وفي حين نقوم بإصلاح علاقاتنا مع حلفائنا، لا بد لنا من الاعتراف بأهمية الأمم المتحدة ومن اعتناق مبادئها· وعلى رغم الخطاب الذي يتوهج مديحاً، قامت الإدارة الحالية بتقويض الأمم المتحدة وحطت من قدرها في سياق تعاملاتها في الشأن العراقي والأفغاني وفي المفاوضات الجارية برعاية الهيئة الدولية· وتبقى مسائل الترسانة النووية الكورية الشمالية والإرهاب الدولي كما كانت قبل الحرب في العراق التهديدات الأخطر على أمننا القومي· ولا يتسنى التطرق إلى هذه المسائل من دون التعاون الدولي وستبقى الأمم المتحدة على رغم نواقصها جزءاً حيوياً من الحل· ولا بد لنا من أن نرفع بوضوح وعلنية معيار شن حرب وقائية من جانب واحد· وكما نعلم الآن، تأسس قرار إدارة بوش بشن الحرب في العراق على معلومات استخباراتية تعتريها النواقص والعيوب وعلى اعتبار الأمر، بالزور والتزوير، ملحاً ويتطلب عملاً عاجلاً·وخلافاً للانطباع الذي خلقته الإدارة، لم يكن العراق مسؤولاً عن أحداث 11 سبتمبر، ولم يكن هناك دليل يؤكد دخول العراق في عصبة واحدة مع منظمة القاعدة وعلى النحو ذاته، لم يبع النيجر اليورانيوم إلى العراق، ولم يكن في العراق مقدرات نووية، ولم يكن صدام حسين يمتلك في حالة الجاهزية مخازن من أسلحة